الوزير الذي يعشق المدير

admin
سلايدر
admin19 نوفمبر 2023آخر تحديث : منذ سنة واحدة
الوزير الذي يعشق المدير

الوزير الذي يعشق المدير


من مكر اللغة العربية انها جعلت كلمة وزير مشتقة من وِزْر بمعنى “الحمل الثقيل والشاق”حسب ابي الحسن المارودي في كتابه “الاحكام السلطانية” اما في موسوعة”نهاية الارَب في فنون الادب ” لابي شهاب النويري فهي مشتقة من كلمة الوَزَر وتقصد الملجأ le refuge .وهكذا فكل وزير سيجد نفسه اما مع هذا المعنى او ذاك القصد .
اما كلمة ministre فان اصلها اللاتيني هو minus اي “خادم”serviteur .فهل صدق اللغويون عندما اكدوا ، ان الكلمة ليست مجرد حروف متشابكة وانما حمولة ،ودلالة، ونسق وسياق .؟
ان الوزير كمنصب لم يأخد شكله المعاصر ،كعضو بالحكومة الا مع ظهور مفهوم الدولة ،وازدادت مهمة الوزير وضوحا في كتاب “روح القوانين ” لصاحبه Montesquieu ونظرية فصل السلط كشرط مبدئي للتدبير الديمقرطي للحياة العامة ،في اواخر القرن 17 وبداية القرن 18 حيث كان الوزراء في الدولة السيادية État régalien يقومون بثلاثة مهام اساسية (الامن والعدل )اظافة الى العملة Finances والعلاقات الخارجية او الديبلوماسية قبل ان تتوسع هذه المهام في دولة الرفاهية État providence لتشمل ما تبقى من قطاعات اجتماعية وصحية وتعليمية.
والحكومات في كل الانظمة هي مؤسسات سياسية اولا واخيرا. ويزداد عمقها السياسي في الانظمة الديمقراطية بالذات .وبالتالي فالوزراء هم رجال ونساء سياسة .يستمدون مشروعيتهم ومبرر مناصبهم، من المواطنين الناخبين الذين تفاعلوا ايجابا مع برنامج احزابهم السياسية في فترة الانتخابات.وبذلك يكون الاصل في اختيار الوزراء هو قناعتهم السياسية، ببرامج اطاراتهم السياسية ،والتزامهم بتنفيذه في ولاية سياسية ،وبتضامن مع زملاء سياسيين داخل مؤسسة سياسية تسمى الحكومة .
ولهذا ففي العالم اجمع يكون اختيار الوزير مُؤسس على مؤهلاته القيادية وعلى قدرته على استيعاب البرنامج الحكومي المتوافق عليه ،والتزامه بتحويله الى توجيهات قطاعية ستسمح للادارة الموجودة تحت امرة الوزير الى تنزيله كاستراتيجيات و مخططات عمل اعتمادا على الخبرة التقنية والمهنية لمسؤوليها واطرها الادارية .في حين يبقى الوزير ،طبعا هو الكائن السياسي الذي يدافع ويتفاعل سياسيا مع البرلمانيين بالمؤسسة التشريعية ومع الراي العام مباشرة وبشكل مستمر وتلك وظيفته ومبرر وجوده.
اما الخبرة التقنية للوزير في القطاع فليست شرط وجود لاستوزاره لكنها تبقى مستحبة اذا ما اجتمعت مع المؤهلات المذكورة سابقا في الوزير الذي وُضِعت كل الادارة وبقوة القانون تحت امرته ومسؤوليته.
فله تعود سلطة التعيين والتوظيف واختيار المسؤولين الخبراء في مجالهم لمساعدته على تنزيل توجيهاته التي يستمدها من برنامجه السياسي .
وفي هذا السياق دعوني احكي لكم انه قادتني ظروف مهنية الى زيارة مدينة برشلونة سنة 2004 عندما كان الزعيم الاشتراكي Pasqual Maragall رئيسا للحكومة الكتالونية وشاءت الظروف ان احضر لقاءا مع هذا الرئيس الوزير ذو الشخصية القوية والذي كان عمدة لبرشلونة لفترة طويلة .فلا زال عالقا بذهني جزء من كلمته حيث قال ،انه عند تعيينه من طرف البرلمان الكاتالوني رئيسا للحكومة واجتماعه بوزراء حكومته ، عمل على احداث حركية بالادارة الكاتلونية ،شملت 1200 مسؤول حتى اصبح الجهاز الاداري قادرا على تحويل توجهات حكومته الى برامج تنفيذية ، وليتفرغ هو ووزراءه لمهامهم السياسية ، وليكونوا على استعداد لتقديم الحساب امام ناخبيهم .
اما هنا فيكفي الاشارة الى الفصل الفصـل93 من الدستور الذي يشير الى ان الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي ،يقوم الوزراء بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة.
وكذلك للفصل 47 الذي ينص (يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها.)
وبقدر ما يصر الدستور وبوضوح على الطبيعة السياسية جينيا للوزراء يسجل -وليس الان فقط -جموح وتقزز ونفور بعض الوزراء من السياسة علنا، رغم انها هي القنطرة التي حملتهم الى هذه المناصب -ولعل لذلك تفسير طبعا – وبالتالي يؤثر ذالك على التدافع السياسي بالبرلمان الذي يبقى محدودا ، والمعروف في كل البلدان الديمقراطية ان السلطة التنفيدية هي المنشطة للحياة السياسية بالبرلمان وخارجه .كما ان غياب الفاعل الحكومي ترك الفضاء العمومي لكائنات اخرى تتشط كثيرا بالسراديب وقليلا في العلن ، مادام ان الثابت علميا ان الطبيعة تكره الفراغ .في حين تجد ان عددا من الوزراء هنا وهناك منشغلون بالتوقيع على الطلبيات bons de commande وتدبير مرائب السيارات Parcs Auto ومراقبة حضور وغياب الموظفين ،وفي احسن الاحوال الانخراط التفصيلي مع اخر حلقة في الهرم الاداري لتنفيد البرامج بعد تهميش المدراء ورؤساء الاقسام ورؤساء المصالح او التنافس معهم .وهاجس الوزراء في ذالك كله ، الاثبات للاخرين قبل انفسهم انهم ليسو ا سياسيين حيث يبدو انها صفة لا تشرفهم وانما هم خبراء تقنيون اكفاء . متناسين ان عشقهم كوزراء لوظيفة المدير ورئيس القسم وما ذونه ، تجعلهم مجرد موظفون سامون عوض وزراء اصحاب رؤية ومهمة vision et mission .
و التاريخ يشهد ان الوزراء الذين نجحوا لم يكونوا بالضرورة تقنيون في قطاعاتهم . كما ان الذين تعتروا ليس لكونهم غير خبراء في القطاع . فهل نسرد الاسماء من اليمين واليسار والحكومة الملتحية ؟
ان قيام الوزراء بمهامهم السياسية هو مساهمة في نضج التجربة الديمقراطية ونقلها الى نبل السياسة كفعل مدني هو كذالك انجاز هام لاستمرار وديمومة الاستقرار بالتمرس على تدبير الاختلاف والصراع السياسي سلميا وايضا تعميق مشاركة المواطنين ونخبهم وومثليهم في الحياة العامة واكراهاتها وبذالك فهو لا يقل اهمية على بناء مستوصف او تعبيد طريق قروية او حتى انجاز الطريق السيار.
وفي الاخير أُنبِه القارء الكريم لهذه السطور وإِنْ كان النبيه لا يُنَبَه بان كل ماود لا علاقة له بوطن المرابطين وان كل تشابه في الاسماء او الامكنة هو مجرد صدفة او للضرورة الفنية.

عبد الرفيع حمضي

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.