محمد وردي من سطات // الوطن العربي
خطاب العرش 2023..خطاب الثقة والتوجه نحو المستقبل..
قراءة في مضمون الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله يومه السبت 29 يوليوز إلى شعبه الوفي بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لاعتلاءه عرش أسلافه الميامين مع الاستاذ الفاضل
رشيد لبكر:
استاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة شعيب الدكالي بالجديدة..1– ماهي الإشارات الكبرى المستفادة من مضمون الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش المجيد ..؟
الخطاب الملكي كان مكثف الإشارات وغزير المضامين، حتي وإن بدا نصه صغير الحجم مقارنة مع خطابات العرش السابقة، والتي جري العرف بانها تكون طويلة شيئا ما، كي تتضمن جردا كاملا لما تم فعله خلال السنة الماضية وما تعتزم الدولة القيام به مستقبلا مع إبراز نقط القوة و الضعف، فإن خطاب ليلة السبت 29 بوليوز ، وإن كان صغير الحجم، فإنه في المقابل جاء غزيرا بالمعطيات وعميق الإشارات، لدرجة يمكن القول معها، ان الخطاب لامس كل القضايا الجوهرية التي تعرفها بلادنا، ولكن دون الدخول في التفاصيل مكتفيا بإشارات شاملة ومعبرة على كل شيء.
عموما فخطاب العرش جاء محملا برسائل قوية عنوانها الجدية والمسؤولية الأخلاقية والقانونية والإنسانية في تدبير كل القطاعات والملفات سواء منها الخارجية أو الداخلية. فالرسالة الأولى موجهة للمنتظم الدولي بأكمله، فحواها أن الأشواط التي قطعها المغرب في سبيل إنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، والذي يعرف توالي الاعترافات بسيادة المغرب على صحرائه وتزايد الدعم لمخطط الحكم الذاتي، هي ثمرة للعمل الدؤوب والتفكير المعمق والالتزام الأخلاقي بمبادئ الشرعية الدولية، وهو ما يرمز إلى مفهوم الجدية الذي استعمله جلالة الملك في هذا الصدد. أما الرسالة الثانية فموجهة إلى الداخل بكل مكوناته السياسية والإدارية والقضائية والاقتصادية وعموم المواطنين، مضمونها أن الجدية التي أبان عليها المغرب في الخارج، ترجمت بتزايد عدد الدول الداعمة لمشروعه، يجب أن تجد صداها في الداخل من خلال خدمة المواطن واختيار الكفاءات المؤهلة وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة، والاهتمام بما ينفع البلاد في كافة المجالات .
فالجدية التي شدد عليها صاحب الجلالة في هذا الصدد يراد بها أن تشكل منهجا متكاملا على الصعيد الداخلي، قوامه ربط المسؤولية بالمحاسبة وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص بين الجميع. أما الرسالة الثالثة، فتتمثل في دعوة جلالته المتجددة للجارة الجزائر إلى عودة الأمور إلى طبيعتها وفتح الحدود بين البلدين، وهو ما يعكس الالتزام الصادق للمغرب بنهج اليد الممدودة تجاه الجارة الشقيقة، والانتصار لمبادئ المحبة والصداقة والتبادل والتواصل بين الشعبين الشقيقين.
2 ) أكد الخطاب الملكي السامي على أن المغرب يضع القضية الفلسطينية ضمن اهم الأولويات. ما الرسالة التي كان العاهل المغربي ينوي تمريرها عبر هذا التأكيد ؟
المغرب تبنى وجهة نظر أخرى في الدفاع عن القضية الفلسطينية، منطلقها الدفاع عن مصلحة الفلسطينيين قبل أي شيء، وليس المزايدة على قضيتهم والركب عليها لتحقيق مكاسب أخرى بعيدا عن المصلحة الحقيقية للإخوة الفلسطينيين، الذين آن لهم أن ينعموا بالأمن والاستقرار في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، إذن فلا مزايدة على المغرب في هذا المجال، فهو المعروف دائما وأبدا بمواقفه الثابثة حيال القضية، باعتبارها مواقف جادة ومبدئية ولا تتبدل تبعا للمصالح.
3- وجه جلالة الملك نقدا لاذعا للجبهة الداخلية، من خلال وضع الاصبع على عدد من الاختلالات التي تشوب منظومة التدبير العمومي، كيف قرأت هذا الانتقاد الملكي؟
اعتقد أن واحدة من الرسائل التي حفل بها الخطاب الملكي، كانت موجهة بالفعل إلى الداخل، بكل مكوناته السياسية والإدارية والقضائية والاقتصادية وحتى عموم المواطنين، وفحواها أن الجدية التي أبان عليها المغرب في الخارج، ترجمت بازدياد عدد الدول الواثقة بمشروعه، يلزم أن تجد صداها في الداخل من خلال خدمة المواطن واختيار الكفاءات المؤهلة وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة، والاهتمام بما ينفع البلاد التي هي الآن في حاجة إلى صحة في المستوى وتعليم جيد وسكن كريم وشغل يضمن كرامة المواطنين وبيئة استثمارية تحفز على العطاء والعمل، فالجدية التي اشار إليها العاهل المغربي في هذا الصدد، يجب أن تصبح منهجا متكاملا على الصعيد الداخلي، قوامها ربط المسؤولية بالمحاسبة وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص بين الجميع، لذلك لم يتردد جلالة الملك في هذا الإطار، في إعطاء نموذج يحتذى للجدية التي يدعو إليها، ألا وهو عدم التساهل مع كل اشكال التبذير وسوء الحكامة والاستعمال الفوضوي واللامسؤول للماء، وقد اقتصر جلالته على هذا النموذج، لأنه كاف في الدلالة، بالنظر إلى الأهمية الاستراتيحية التي بات الماء يحظى بها مع توالي فترات الجفاف،وإلا فخطاب ربط المسؤولية بالمحاسبة يسري على الجميع و يمتد ليشمل كل القطاعات.. اما المضمون الثاني في هذه الرسالة، فيتعلق بمنظومة القيم والمرجعيات التي كثر فيها الحديث مؤخرا بسبب تداخل العديد من الازمات، وحتى يكون خطاب جلالته حاسما ومختصرا بالاتساق مع مبدأ الجدية الذي جعله عنوان خطاب عيد العرش، فقد حرص على تجديد الحسم في اختيارات الأمة، القاضية بالتمسك بالقيم الدينية والوطنية والتشبت بالوحدة الترابية وصيانة الروابط الاجتماعية والعائلية من اجل مجتمع متضامن ومتماسك. واعتقد ان هذا المضمون، كاف جدا لتأطير النقاش الجاري الآن ببلادنا، والذي نحا إلى اتجاهات غير قويمة، وهو المتعلق بمراجعة مدونة الأسرة وما يرافقها من خطاب حول الحريات وغيره، مما جاء التوجيه بخصوصه واضح في خطاب صاحب الجلالة.
المصدر : https://chamssalhakika.ma/?p=4362