حكيم السعودي
في كل مجتمع يبحث عن التقدم والتطور تظل مسألة التغيير الجذري للفرد والمجموعة محورية إذ أن التغيير لا يأتي من الخارج، انه ينبع من الداخل كما يؤكد ذلك قوله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.” فالتغيير الحقيقي يبدأ من إدراك الإنسان لذاته، لمسؤولياته وللدور الذي يلعبه في مجتمعه خاصة حين يكون في موقع يؤثر في الأجيال القادمة. وفي هذا السياق تعتبر التداريب المتعلقة بالمخيمات إحدى الفرص الهامة التي تمكن الشباب من تطوير مهاراتهم التربوية وتوسيع مداركهم الفكرية وإعادة النظر في سلوكياتهم وأدوارهم في المجتمع. لكنها كغيرها من الفرص قد تفقد قيمتها إن لم يُنظر إليها بالجدية اللازمة و قد تتحول في بعض الأحيان إلى فضاء تتسلل إليه بعض الممارسات غير الأخلاقية مما يجعلنا نعيد طرح السؤال حول الغاية من هذه التداريب وأثرها الفعلي في تكوين شخصية المشارك وتأهيله ليكون قدوة للأطفال الذين سيشرف عليهم لاحقًا. يجب على كل شاب يلتحق بهذه التداريب أن يسأل نفسه لماذا أشارك في هذا التكوين؟ ما الهدف الذي أسعى إلى تحقيقه؟ هل أريد أن أتعلم مهارات جديدة وأسهم في تربية الأطفال داخل المخيمات بما يفيدهم أم أن الأمر مجرد فرصة للترفيه وتمضية الوقت دون أي نية حقيقية للتطوير الذاتي؟ إن وجود المتدرب في بيئة تتيح له اكتساب خبرات عملية ومعرفية في التعامل مع الأطفال يجب أن يكون حافزًا على التفكير في كيفية الاستفادة المثلى من هذه الفرصة. المخيم ليس مجرد مكان للنشاط العابر،هو فضاء تربوي تتشكل فيه شخصيات الأطفال وتتحدد فيه نظرتهم للمجتمع وبالتالي فإن دور المؤطر أو المتدرب ليس بسيطًا إنما هو مسؤولية عظيمة. فلا يمكن لمن لا يملك الوعي الكافي ولا يطرح على نفسه الأسئلة العميقة حول دوره أن يؤدي وظيفته كما ينبغي.لكن على الجانب الآخر لا يقتصر التقييم على المتدربين وحدهم بل يشمل أيضًا المكونين الذين يفترض أن يكونوا قدوة حسنة يحتذى بها. فمن غير المقبول أن يتعامل المكوِّن مع المتدربين والمتدربات بنوع من الاستغلال العاطفي فيغرقهم بقصصه الشخصية عن مشاكله الأسرية مدعيًا أنه غير متزوج أو يمر بمرحلة طلاق ليكسب تعاطف المتدربات ويستدرجهن بأساليب خبيثة. إن هذا النوع من السلوكيات لا يعكس فقط غياب الأخلاق والمسؤولية بل يهدد أيضًا جوهر هذه التداريب التي من المفترض أن تقوم على التكوين الجاد والتربية على القيم الإيجابية. فالمكوِّن بصفته مسؤولًا عن تأطير الشباب يجب أن يكون نموذجًا يحتذى به في النزاهة والاحترام بدلًا من أن يكون عنصرًا سلبيًا يكرس ممارسات غير أخلاقية تضر بالمخيمات كمؤسسات تربوية.
المسؤولية هنا مزدوجة إذ لا تقتصر على الفرد وحده بل تشمل المؤسسات والجهات المنظمة لهذه التداريب. فمن الضروري أن تكون هناك رقابة صارمة وتوجيه مستمر لضمان أن تكون التداريب فضاءً حقيقيًا للتعلم وتطوير المهارات وليس مجرد مناسبة للهو والممارسات غير المسؤولة. يجب إعادة النظر في آليات التكوين والمتابعة وتوفير فضاءات حوارية مفتوحة تعزز الوعي بأهمية الدور التربوي للمدرب والمؤطر لأن التأثير الذي يمارسه هؤلاء لا يقتصر فقط على فترة المخيم بل يمتد إلى حياة الأطفال الذين ينقلون ما تعلموه إلى بيئاتهم الأسرية والاجتماعية.عندما يتحول المخيم إلى مدرسة للقيم تتغير العقليات وتتشكل شخصيات قوية قادرة على تحمل المسؤولية في المستقبل لكن هذا يتطلب وعيًا حقيقيًا بأهمية التربية الأخلاقية داخل فضاءات التكوين. على كل متدرب أن يسأل نفسه هل أنا أستفيد فعليًا من العروض النظرية والتطبيقية التي أتلقاها؟ وهل أنقل هذه المعارف بشكل صحيح للأطفال داخل المخيمات أم أنني أتعامل مع الأمر كإجازة ممتعة بعيدًا عن الرقابة الأسرية والمجتمعية؟ وبالمثل على كل مكوِّن أن يسأل نفسه هل أمارس دوري كموجه ومرشد للشباب أم أنني أستغل موقعي لغايات شخصية؟ إن هذه الأسئلة هي التي تحدد القيمة الحقيقية لهذه التداريب وهي التي تصنع الفرق بين مخيم ترفيهي بحت ومخيم تربوي يساهم في بناء أجيال مسؤولة.ان التداريب المتعلقة بالمخيمات فرصة عظيمة لمن يريد أن يغير نفسه ويكون عنصرًا فاعلًا في مجتمعه لكنها كأي فرصة أخرى تتطلب وعيًا ونضجًا لاستغلالها بالشكل الصحيح. فالشباب الذين يشاركون في هذه التداريب هم نواة المستقبل وكل تجربة يخوضونها تساهم في تشكيل وعيهم ومسارهم الحياتي. لذلك عليهم أن يدركوا أن التغيير يبدأ من الداخل وأن المشاركة في المخيمات ليست مجرد مرحلة عابرة، انما هي محطة يمكن أن تؤثر في شخصياتهم بشكل عميق أما المكوِّنون فعليهم أن يكونوا قدوة لا مصدرًا للفساد وأن يتذكروا دائمًا أن كل فعل يصدر عنهم سيحاسبون عليه سواء في الدنيا أو في الآخرة.إن نجاح التداريب لا يقاس بعدد المشاركين ولا بعدد الأيام التي تستغرقها بل يقاس بمدى تأثيرها في تكوين شخصية مسؤولة وواعية، فإما أن يكون المخيم فضاءً للتغيير الإيجابي أو يتحول إلى مجرد محطة أخرى تمر دون أثر. والخيار في النهاية بيد كل مشارك وكل مؤطر لأن التغيير الحقيقي لا يُفرض بل ينبع من الداخل ومن رغبة صادقة في أن يكون الإنسان أفضل مما كان عليه بالأمس.
عندما ننظر إلى المخيمات والتداريب المصاحبة لها من زاوية أوسع نجد أنها ليست مجرد تجارب فردية معزولة بل هي انعكاس لثقافة مجتمعية بأكملها، فإذا كان هناك وعي حقيقي بأهمية هذه التداريب في بناء القيم والتأثير في الأجيال القادمة فإن ذلك سيظهر في سلوك الأفراد داخلها، أما إذا كانت التداريب تُدار بطريقة سطحية دون رؤية واضحة أو التزام أخلاقي فإنها لن تحقق الأهداف المرجوة بل ستتحول إلى مجرد مناسبات للهو وإضاعة الوقت وربما حتى لنشر ممارسات غير أخلاقية تسيء إلى جوهر العمل التربوي.لذلك لا بد من إعادة النظر في طريقة إدارة هذه التداريب سواء من حيث اختيار المؤطرين أو من حيث طبيعة الأنشطة التي تقدم فيها. يجب أن يكون هناك تقييم مستمر للمدربين والمتدربين على حد سواء لضمان أن تكون بيئة المخيم صحية وتربوية وليست مجرد فضاء فوضوي تتسلل إليه السلوكيات غير المسؤولة كما أن المؤسسات المعنية بتنظيم هذه التداريب عليها أن تضع معايير واضحة وصارمة لضبط التكوين والتأطير حتى لا تتحول المخيمات إلى أماكن للعبث أو الاستغلال العاطفي كما يحدث في بعض الحالات. إن الشباب المشاركين في هذه التداريب هم أمل المستقبل وهم بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم ويقودهم إلى الطريق الصحيح لا إلى من يستغل براءتهم أو حماسهم للمشاركة. كذلك على كل شاب أن يكون واعيًا بمسؤوليته داخل هذه التداريب وأن يدرك أنه ليس مجرد رقم يُضاف إلى قائمة المشاركين بل هو عنصر فاعل يمكن أن يكون نموذجًا إيجابيًا أو سلبيًا حسب اختياراته وسلوكياته. لا يمكن الحديث عن تغيير حقيقي ما لم يكن هناك وعي جماعي بأهمية التربية الأخلاقية في كل فضاءات التعلم سواء كانت داخل المدارس أو المخيمات أو التداريب المختلفة. فالتغيير لا يحدث صدفة ولا يُفرض من الخارج بل يبدأ من داخل الإنسان نفسه. وإذا لم يدرك كل متدرب وكل مؤطر هذه الحقيقة فإن المخيمات ستبقى مجرد مناسبات موسمية تفقد قيمتها مع مرور الوقت أما إذا تم التعامل معها كفرصة للتطوير الذاتي والتأثير الإيجابي فإن أثرها سيمتد إلى أبعد من فترة التدريب ليصبح جزءًا من شخصية كل من مرّ بهذه التجربة.
إن إعادة الاعتبار لدور المخيمات التكوينية يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد تبدأ من اختيار المشاركين بعناية مرورًا بوضع برامج ذات أهداف واضحة وصولًا إلى التقييم والمتابعة بعد انتهاء التكوين. فالمخيمات ليست مجرد تجمعات مؤقتة بل هي مختبرات حقيقية تُصقل فيها شخصيات الشباب وتُزرع فيهم قيم الالتزام والانضباط والتضامن.ولكن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا إذا تحلى كل فاعل داخل هذه المنظومة بروح المسؤولية. فالمتدرب يجب أن يدرك أن وجوده داخل التدريب ليس مجرد صدفة أو وسيلة للترفيه بل هو فرصة حقيقية لتطوير ذاته وتنمية مهاراته حتى يكون نموذجًا يُحتذى به في المخيمات التي سيشرف عليها لاحقًا. عليه أن يسأل نفسه ما الذي سأحمله معي من هذه التجربة؟ هل سأكون عنصر بناء أم مجرد مستهلك سلبي للمحتوى؟ هل سأجعل من التدريب فرصة للتعلم الحقيقي أم مجرد فضاء للعبث؟
أما المؤطرون فهم الحلقة المفصلية في نجاح أي تكوين فبدلًا من استغلال مواقعهم لخدمة مصالح شخصية عليهم أن يكونوا قدوة حسنة وأن يدركوا أن تأثيرهم لا يقتصر على ما يلقونه من دروس نظرية بل يشمل أيضًا سلوكياتهم وأخلاقياتهم وتعاملهم مع المتدربين. المدرب الذي يحرص على بناء علاقة احترام متبادل مع المتدربين ويضع حدودًا واضحة بين دوره المهني وحياته الشخصية هو المدرب الذي يترك بصمة حقيقية في نفوس الشباب ويجعلهم يتذكرونه كنموذج يُحتذى به لا كشخص استغل موقعه لمصالح ضيقة.إن التغيير المطلوب لا يأتي بقرارات فوقية أو شعارات جوفاء بل يحتاج إلى إرادة حقيقية من الجميع تبدأ أولًا من الذات. حين يدرك كل متدرب وكل مدرب أنه مسؤول أمام نفسه وأمام المجتمع وأمام الله عن كل تصرف يصدر منه حينها فقط يمكننا الحديث عن تغيير حقيقي. المخيمات ليست مجرد محطات عابرة بل هي فرص لترسيخ القيم وصناعة قادة المستقبل، فإما أن تكون مدارس للتربية والتكوين وإما أن تتحول إلى مجرد مناسبات للعبث والانحراف والفرق بين الحالتين هو وعي الأفراد الذين ينخرطون فيها.يظل السؤال الجوهري الذي يجب أن يطرحه كل شخص داخل هذه المنظومة على نفسه هو هل أساهم في بناء جيل أكثر وعيًا ومسؤولية أم أشارك في إفراغ التجربة من مضمونها؟ الجواب عن هذا السؤال هو ما سيحدد مستقبل المخيمات ودورها في تشكيل وعي الأجيال القادمة.
إن المخيمات التكوينية ليست مجرد فضاء زمني عابر انما هي مسؤولية أخلاقية وتربوية تُلقى على عاتق كل من يشارك فيها سواء كان متدربًا أو مؤطرًا. إن نجاح هذه التجربة لا يُقاس بعدد الجلسات النظرية أو الورشات التطبيقية بل يُقاس بمدى تأثيرها في سلوك الأفراد وأخلاقياتهم وطريقة تفكيرهم. فالشباب الذين ينخرطون في هذه التدريبات مطالبون بأن يكونوا أكثر وعيًا بمسؤولياتهم وأن ينظروا إلى المخيمات كفرصة للتعلم والتطوير الذاتي وليس مجرد فضاء عابر للتسلية أو العبث.وبالمثل فإن المؤطرين مطالبون بأن يكونوا قدوة حسنة وأن يدركوا أن تأثيرهم لا ينحصر في ما يلقنونه نظريًا بل يمتد إلى تصرفاتهم سلوكياتهم، فإما أن يكونوا بناة للوعي والمسؤولية أو أدوات لهدم القيم والأخلاق.
لا يمكن لأي تغيير أن يحدث ما لم يبدأ كل فرد بمراجعة نفسه لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا لم يكن التدريب والتكوين وسيلة للرقي بالأفراد والمجتمع فإنه سيفقد معناه وقيمته وسيتحول إلى مجرد نشاط شكلي بلا تأثير حقيقي. لذلك يبقى الرهان الأكبر على مدى قدرة كل شخص على تحمل مسؤوليته بوعي وإخلاص من أجل بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
المصدر : https://chamssalhakika.ma/?p=10032