رحلة الصعود في متاهات الأدوار

admin
سلايدر
admin30 يناير 2025آخر تحديث : منذ 3 أشهر
رحلة الصعود في متاهات الأدوار

رحلة الصعود في متاهات الأدوار

حكيم السعودي

لطالما كان يومي مزيجاً من البحث والمكابدة، هذا هو الحال في كل خطوة أخطوها نحو الأمام كطفل صغير يحاول ارتداء حذاءٍ كبير لا يناسبه، أجد نفسي أحيانًا أظن أنني أستطيع ملاحقة الوقت واحتواء المسؤوليات كما لو كانت شظايا ضوء يمكن الإمساك بها بين أصابعي، في البداية ظننت أنني بإمكاناتي المحدودة سأخطو أسرع إذا ارتديت تلك الأدوار التي يفترض أنها “كبيرة”،لقد كنت أعتقد أنني إذا تصرفت كما يفعل الكبار سيصبح الطريق أمامي أكثر سلاسة وأقل تعثرًا
َ لكن مع مرور الأيام بدأت أكتشف أن تلك الأدوار التي تحايلت على مقاساتي لم تكن سوى عبءٍ ثقيل يثقل خطواتي ، كان الحذاء في كل خطوة يضغط على قدميّ أكثر و كل دور أكبر من مقاسي يزيدني ضعفًا ويجعلني أتعثر بشكل أكبر. أجد نفسي أحيانًا أسير في الطريق ذاته مرارًا متمنيًا أن يكون الزمن في صفّي لكنني لا أزال أواجه التحديات نفسها تمامًا كما يفعل الطفل في محاولته الفاشلة لارتداء حذاء الكبار. إنني في حقيقة الأمر لم أكن أسرع بل كنت أبطأ وكلما ازداد العبء كان التقدم أبطأ.
لقد كانت تلك الأدوار التي تخيلتها ستمنحني القوة، في واقع الأمر تكشف عن عيوبي.، كنت أظن أنني سأصبح أكثر قدرة، لكنني في الواقع بدأت أفقد اتزاني و فكرت في الأمر مرات عديدة لكن الفكرة كانت تظل نفسها، لم يكن الوقت كافيًا و كانت تلك المسؤوليات مثل عبء لا طائل من ورائه جعلتني أرى فقط ضعفي بأوضح شكل تمامًا كما لو كنت أرتدي حذاءً يتجاوز مقاسي لكن الحياة تعلمنا أحيانًا أن الصراع مع الأدوار التي لا تتناسب مع قدراتنا ليست مجرد خطأ نندم عليه بل هو فرصة لنتعلم وننمو. لم يكن الهدف أن أسرع أو أبدو أكبر من مقاسي. كانت الرحلة أكثر أهمية من الوصول إلى النهاية و الخطوات المتعثرة جزءًا من السعي وراء فهم حقيقي لما أنا عليه وما يمكنني تحقيقه ربما لم أكن سأجد الطريق الصحيح لو لم أتعثر لكنني الآن أفهم أن الحقيقة لا تكمن في الأدوار التي نحاول أن نرتديها بل في اكتشاف ذاتنا من خلال كل خطوة نخطوها حتى وإن كانت بطيئة.

وفي كل يوم أكتشف شيئًا جديدًا عن حدودي أدرك أنني لا أحتاج إلى ارتداء أدوار أكبر مني كي أحقق النجاح بل الذي يكمن في التواضع ومعرفة ما يناسبني من خطوات، قد لا يكون الحذاء الكبير هو الحل بل السير بحذاء يناسب قدميّ ويمنحني القدرة على المضي قدمًا بثقة خطوة تلو خطوة. ومع مرور الأيام بدأت أرى جمالًا في تلك الخطوات البطيئة التي كنت أراها عائقًا في البداية،و تدريجيًا اكتشفت أن النجاح ليس في الركض نحو الأهداف أو التظاهر بالكمال بل في القدرة على التأقلم مع التحديات التي تعترضنا،و حينما تكون الأدوار أكبر من مقاسنا،ك نتعلم كيف نعيد تشكيل أنفسنا و نلجأ إلى قوتنا الحقيقية بدلاً من أن نغرق في محاكاة أشياء ليست لنا.

في كل يوم جديد أجد أن الأدوات التي أحتاجها لم تكن دائمًا تلك التي تخيلتها او هي الأدوار التي حاولت ارتداؤها بل كانت قوتي الحقيقية تكمن في البساطة، في أن أكون نفسي دون تزييف.لقد أدركت أن الأهداف التي كنت أسعى إليها لم تكن تكمن في ملاحقة آمال الآخرين أو محاولة تلبية معاييرهم بل كانت في تجاوز حدود نفسي والقدرة على النمو داخل المساحات التي أنشأتها لنفسي ،و ما كنت أظنه فشلًا لم يكن سوى درس في التحلي بالصبر والمرونة، تلك الأدوار الكبيرة التي حاولت ارتداءها كانت أحيانًا تتسبب في تجريح روحي ومع ذلك كانت دروسًا أحتاجها لأفهم أن كل إنسان يمتلك معركة خاصة به وأن النضج لا يأتي من الانغماس في محاولة تكرار الآخرين بل من تجاربنا الخاصة التي نمر بها وتعلمنا منها.عندما أنظر اليوم إلى الوراء لا أندم على تلك اللحظات التي تعثرت فيها بل أراها علامات على نضجي و أدركت كذلك أن الطريق ليس مستقيمًا دائمًا بل مليء بالتعرجات وأن البطيء أفضل من السريع حينما يتعلق الأمر بالتطور الذاتي، تعلمت أن المضي قدمًا يتطلب المزيد من الأصالة والإصرار على إيجاد الطريق الأنسب لي بدلاً من أن أرتدي أدوارًا لم تكن من نصيبي وفي كل يوم أستيقظ فيه أدرك أن الحياة لا تعني أن نصل إلى قمة الجبل بأسرع وقت ممكن بل أن نستمتع بكل لحظة في الرحلة وأن نعي كم هي قيمتها.وفي هذه الرحلة التي قادني فيها الزمن بين خطواتٍ متعثرة وأخرى ثابتة أدركت أن الفشل ليس نهاية الطريق بل هو بداية لفهم أعمق وأصدق ذاتنا لأن الحياة ليست عن المسابقة في الوصول إلى القمة بل في أن نحتفظ بتوازننا أثناء الصعود وأن نقدر كل خطوة نخطوها نحو النمو والتطور.

تعلمت أن القوة الحقيقية تكمن في قبول حدودنا والاعتراف بها، وفي القدرة على تعديل المسار عندما تدعونا الحياة إلى ذلك. الأدوار الكبيرة التي قد نرغب في ارتدائها لا ترفعنا بالضرورة، بل قد تجعلنا نتعثر في محاولة التكيف معها. أما الأصالة، فهي ما يتيح لنا التفوق على أنفسنا وتحقيق النجاح الحقيقي.وكل يوم هو فرصة جديدة لنعيش بصدق مع ذواتنا ونتعلم من التجارب التي مررنا بها. إن الحياة في النهاية ليست أن نكون أشخاصًا آخرين بل أن نكون أنفسنا بكل ما نحمله من ضعف وقوة،ك وكل ما يمكننا من صنع واقعنا الذي نرضى به.فلتكن خطواتنا مهما كانت بطيئة مليئة بالنية الصافية والإصرار على المضي قدمًا، ولنعلم أن الطريق ليس مهمًا بقدر ما هو الجوهر الذي نصنعه أثناء رحلتنا.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.