ألاعيب العلاقات

admin
سلايدر
admin24 يناير 2025آخر تحديث : منذ شهرين
ألاعيب العلاقات

ألاعيب العلاقات

حكيم السعودي

نتعلم في الحياة تدريجيًا أن الوقوف بجانبنا ليس بالضرورة يعني الوقوف من أجلنا. في كثير من الأحيان نعتقد أن من يتواجد حولنا في أوقات الصعاب هم أصدقاء حقيقيون أو داعمون. ننسى أن البعض قد يشاركونا لحظاتنا فقط لأن الظروف تلزمهم بذلك أو لأن مصلحتهم تتقاطع مع مصلحتنا في لحظة معينة لكن في اللحظات الحاسمة، عندما نحتاج إلى الدعم الحقيقي قد نكتشف أن من كانوا حولنا لا يملكون الاستعداد أو القدرة على التضحية من أجلنا.ان هذا الإدراك يصبح صادمًا في بعض الأحيان. لقد كنت تظن أن من كانوا يبتسمون في وجهك أو يقفون إلى جانبك في التجمعات هم الأفراد الذين يشاركونك همومك وأفراحك. لكن حينما تجد نفسك في محنة لا يستطيع الآخرون أن يشاركوك فيها على نفس المستوى من العاطفة أو الالتزام تبدأ في التساؤل عن معنى تلك العلاقات. و تتجلى هذه الحقيقة في شتى مناحي الحياة، في الأصدقاء الذين يبتعدون عند أول عقبة، في العائلة التي تبقى صامتة عندما تحتاج إلى صوت يعينك، وفي الزملاء الذين يتركونك تواجه التحديات وحدك. قد يزعم البعض منهم أنهم يساندونك لكن حينما تتطلب منهم الظروف التضحية أو المساندة الفعلية، يصمتون، أو يقدمون لك كلمات جوفاء لا تقوى على مواجهة الحقيقة. قد يتظاهرون بالاهتمام لكن في النهاية يختارون مصلحتهم الشخصية على حساب قيمتهم الإنسانية أو الأخلاقية.لكن هذا الاكتشاف ليس بالضرورة أمرًا سلبًا، على العكس يمكن أن يكون دافعًا لإعادة تقييم علاقاتنا ومعاييرنا في اختيار الأشخاص الذين نسمح لهم بالدخول إلى حياتنا. يفتح أمامنا المجال لنفهم أكثر من هم الأشخاص الذين يحق لنا أن نثق بهم حقًا. الثقة ليست مجرد وعد بالكلمات، بل هي التزام بالوجود والتضحية في الأوقات التي تتطلب الدعم الحقيقي. قد يكون من الأهمية بمكان أن نعلم أن الذين يقفون فعليًا معنا في الأوقات العصيبة هم الذين يظهرون في أوقات الصمت، والذين يدعموننا حينما لا يكون هناك شيء آخر يمكن تقديمه سوى وجودهم الصادق.ان هذه التجربة على الرغم من مرارتها تعتبر درسًا عميقًا في التعامل مع العلاقات الإنسانية. فالعلاقات التي لا تستند إلى مبدأ العطاء والتضحية تصبح خالية من القيمة الحقيقية. قد نجد أنفسنا في البداية متألمين لفقدان هذه الأوهام، ولكننا مع مرور الوقت نصبح أكثر استعدادًا للترحيب بمن يستحقون أن يكونوا بجانبنا. نكتشف أن الدعم لا يأتي دائمًا من أقرب الأشخاص إليك، بل قد يأتي من أناس لم تكن تتوقعهم، وفي لحظات غير متوقعة.إذا لا بد من أن نتعلم كيف نقدر أنفسنا، وكيف نتحمل مسؤولية مشاعرنا قبل أن نعتمد على الآخرين في بناء قوتنا الداخلية. فعندما لا نجد من يقف بجانبنا، نكتشف في أنفسنا القوة التي كنا نبحث عنها في الخارج.

هذه الرحلة قد تكون مرهقة،ك لأننا في البداية نبحث عن الراحة في محيطنا، نبحث عن أيدٍ تمتد لنا عندما نتعثر، وعن أذنٍ صاغية عندما نحتاج أن نُسمع. لكننا نكتشف مع الوقت أن هذه الحاجة ليست ضعفًا، بل هي مجرد محاولة لفهم الذات في علاقة مع الآخرين. وفجأة، تجد نفسك تقف أمام واقع أكثر صرامة: العلاقات التي لا تستند إلى أساس قوي، تلك التي تتساقط حينما تشتد الرياح، هي علاقات لا تليق بمستقبلنا.في اللحظات التي تشعر فيها بأنك وحيد رغم الوجود الظاهر للآخرين حولك تبدأ في إعادة تعريف معنى القوة الداخلية. تصبح أكثر وعيًا بأن أول شخص يجب أن يساندك هو أنت بنفسك. وهذا لا يعني أنك ستصبح معزولًا، بل يعني أنك ستبدأ في استثمار الوقت والجهد في تحسين علاقتك بذاتك أولاً. ومع مرور الوقت، ستجد أن الأشخاص الذين يستطيعون الوقوف بجانبك فعلاً سيكونون قليلين، لكنهم سيكونون الأكثر قيمة.ان الحياة تعلمنا أنه في الكثير من الأحيان لا يتعلق الأمر بمن يقف معك بل بمن يقف بجانبك عندما لا تكون بحاجة إلى أحد. هؤلاء الأشخاص الذين يتحملون معك الأعباء دون أن تُطلب منهم المساعدة، ويعرضون يدهم دون أن تنتظرها منهم. هؤلاء هم الأشخاص الذين لا يكتفون بالكلام، بل يترجمون أقوالهم إلى أفعال. وحينما تختبر مثل هؤلاء الأشخاص في حياتك، يصبح لديك معيارًا حقيقيًا لتقييم العلاقات والمواقف. وعلى الرغم من الألم الذي قد يرافق هذه الاكتشافات، إلا أنها تمنحك القدرة على التمييز بين الحقيقة والمظاهر. تبدأ في التخلي عن التوقعات غير الواقعية التي كنت تضعها في الآخرين، وتدرك أن العلاقات الحقيقية هي تلك التي تقوم على الاحترام المتبادل والمشاركة الفعالة في الظروف المختلفة، وليست فقط على تواجد جسدي في الأوقات السهلة.إذاً الحياة ليست عن عدد الأشخاص الذين يحيطون بنا، بل عن جودة العلاقات التي نبنيها معهم. وبعد أن تتعلم أن تقدر قوتك الذاتية، وتصبح أكثر انتقاءً فيمن تمنحهم جزءًا من قلبك، ستدرك أن حقيقة الوجود تكمن في أنك تستطيع أن تقف وحدك، وأنك تستطيع أن تجد قوتك في الأوقات التي لم يكن أحد فيها معك.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.